ثقافة وفن

قراءة فى كتاب “اتجاهات النثر الفنى فى العصر الإسلامى”

قراءة فى كتاب "اتجاهات النثر الفنى فى العصر الإسلامى"

قراءة فى كتاب “اتجاهات النثر الفنى فى العصر الإسلامى”
للدكتورة منى محمد ذكى خضر”
بقلم الدكتور/ عوض الغبارى

الدكتورة / منى خضر أستاذة مساعدة للأدب العربى بجامعة حائل، ورئيسة قسم اللغة العربية، وعميدة كليتى الآداب والتربية بالسعودية سابقا. وأهم كتب الدكتورة منى خضر كتاب: “قراءات فى تاريخ الأدب العربى”، وكتاب” “تطور البنية فى الشعر العربى الحديث”.
وللدكتورة منى خضر شخصيتها الإدارية المهمة إلى جانب شخصيتها العلمية الأكاديمية المتميزة، وهى من أسرة عريقة، وحفيدة شاعر له دواوينه الشعرية التى تستحق الدراسة.
وكتاب الدكتورة منى خضر “اتجاهات النثر الفنى فى العصر الإسلامى” (صدر الإسلام والأموى) دراسة علمية متبحرة فى هذا الموضوع المهم استعانت فى تأليفه بعشرات المصادر والمراجع لتأصيله، خاصة أن الكتب المتميزة فيه، ومنها كتاب الدكتورة منى خضر، قليلة.
وقد كانت الثقافة العربية الأصيلة التى تمتعت بها الدكتورة منى خضر وراء هذا التحليل النقدى الدقيق لظواهر فن النثر فى العصر الإسلامى، واختيار نصوصه الدالة على تطوره، وأثر الإسلام فى إثرائه شكلا ومضمونا. وقد ركزت المؤلفة على تجسيد فنون النثر فى العصر الإسلامى للثقافة العربية، والتأثر بالقرآن الكريم، والحديث النبوى الشريف فى بلاغة الأسلوب وروعة البيان.
وكتاب “اتجاهات النثر الفنى فى العصر الإسلامى” معنى بتناول المصطلح النقدى للأدب، وللنثر الفنى وهو ما تتميز به مؤلفته من الانطلاق فى الدراسة العلمية على أسس منهجية أصيلة.
وتؤصل الدكتورة منى خضر خصائص النثر الفنى فى العصر الجاهلى لبيان أثر الإسلام فيه تعبيرا عن تغير الحياة العربية إلى الأفضل من الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والثقافية والمعرفية.
والكتاب ضخم فى حجمه مهم جدا فى مضمونه يتكوَّن من بابين كبيرين، وكل باب فى فصلين.
ويختص الباب الأول بالعصر الإسلامى، ويتناول فى الفصل الأول ملامح الحياة فى عصر صدر الإسلام بآثاره الأدبية والاجتماعية والثقافية. بينما يختص الفصل الثانى من الباب الأول بمصادر الأدب الإسلامى من قرآن كريم، وحديث نبوى شريف وأثرهما فى فنى الكتابة والرسالة خاصة.
أما الباب الثانى فيتناول فصله الأول ملامح الحياة فى العصر الأموى سياسيا واجتماعيا وثقافيا، بينما يتناول فصله الثانى عوامل ازدهار النثر الفنى فى العصر الأموى بأنواعه المختلفة وفى مقدمتها الخطابة. وقد أحدث ظهور الإسلام تحولا جذريا فى حياة الأمة العربية وكان القرآن الكريم المثل الأعلى لأسلوب الأدب وتطور فنونه فى خطابة تستقى من ينابيع الإسلام، ومعان تتصل بالقيم والمُثُل الإسلامية التى أدت إلى ازدهار النثر الفنى فى تاريخ الأدب العربى. وتؤكد المؤلفة أثر القرآن فى الأدب العربى مثل إحياء فنون أدبية كالقصص والزهد وأدب التاريخ. وكان للحديث النبوى أثر بارز فى إثراء معجم الأدب العربى والاقتباس من معانيه وأفكاره وسيلة وغاية للإقناع بالصياغة الجمالية البلاغية.
ومع بداية الإسلام تنوعت فنون الكتابة وتمثلت في الرسالة وآلياتها الفنية التى فصَّلتها الدكتورة منى خضر.
وتورد المؤلفة نصوص بعض الرسائل البليغة التى أرسلها الرسول –ص- داعيا إلى الإسلام بحكمة وإيجاز، وتحللها تحليلا أسلوبياً.
كذلك مضى الكتاب في تناول الرسائل في عهد الخلفاء الراشدين كالرسائل الديوانية التى اضطلع بها ديوان الإنشاء بهدف إرساء نظام الدولة في الداخل والخارج، مما يجعلها وثيقة تاريخية سياسية إلى جانب قيمتها الأدبية.
ومن بديع الخطابة العربية تورد المؤلفة خطبة النبى –ص- في حجة الوداع، ويزخر الكتاب بنصوص فنية رائعة في أدب النثر تجعله مثالا حيا للجمع بين النظرية والتطبيق وسعة المادة وشمولها واختيارها الرائع، كقوله – صلى الله عليه وسلم- في خطبة الوداع: “أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير، وليس لعربى على عجمى فضل إلا بالتقوى، ألا هل بلغت؟ الله اشهد”.
وتصف المؤلفة هذه الخطبة بعد تحليل رائع مستوف لها بتناسق ألفاظها، وتلاؤم تركيبها، فجاءت أنماطا من التعبير المبتكر.
وتختار المؤلفة من خطابة عمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب وغيرهما من بلغاء الصحابة ما تنير به جوانب موضوعها.
كما تطرقت إلى فنون نثرية أخرى كالمناظرات والوصايا والتوقيعات (حلول الحاكم الموجزة للمظالم المرفوعة إليه).
كما يتناول الكتاب القصص من خلال أدواتها الفنية من الراوى أو القاص، وعناصر القصة تطبيقا على القصص القرآنى وما ارتبط به من خصائص أسلوبية وعلامات فنية ووسائل وغايات إسلامية. وكذلك كان الحال في تناول الدكتورة منى خضر للقصص النبوى.
وفيما يتعلق بالباب الثانى الخاص بالعصر الأموى تعرض المؤلفة لتاريخه ومقوماته الاجتماعية والثقافية وبيئاته الأدبية وأثر الإسلام في وجدان أدبائه.
وقد احتلت الخطابة مكانة كبيرة في هذا العصر، دينية وسياسية واجتماعية، واتسمت ببلاغتها.
وعرضت الدكتورة منى خضر لأعلام الخطباء في العصر الأموى مركزة على الخصائص الفنية للخطابة .
كما تناولت فن الرسالة ومثالها عبد الحميد الكاتب رائد هذا الفن. وأهم رسائله تلك التى وجَّهها إلى الكُتَّاب دستورا للكتابة العربية وآدابها وأدواتها.
ومنها قوله للكتاب : “وليس أحد من أهل الصناعات كلها أحوج إلى اجتماع خلال الخير المحمودة وخصال الفضل المذكورة المعدودة منكم”.
وتتناول المؤلفة هذه الرسالة بالتحليل والدرس الواعى موضوعا وهدفا وسمات فنية.
كما تعرض لفنون نثرية أخرى استكمالا لما تناولته في فن التوقيعات ودلالته الموجزة في بلاغتها التى تصل إلى غاياتها.
وكذلك درست فن الوصايا وغاياته التعليمية والأخلاقية كقول عبد الله بن مروان ينصح أبناءه: “عليكم بطلب الأدب، فإنكم إن احتجتم إليه كان لكم مالا، وإن استغنيتم عنه كان لكم جمالا”. وأدت الاختلافات بين الفرق إلى مناظرات ثرية تمثل ثقافة أصحابها وقناعاتهم مثل المعتزلة والشيعة والخوارج وغيرهم.
وقد نهضت المؤلفة بدراسات مهمة موثقة علميا لهذا التيار النثرى المهم في فن المناظرات، وخصوصيته وإسهامه في بيان الحياة الفكرية في العصر الإسلامى . ومن آثار هذا العصر برزت القصص في أيام العرب (أى الحروب) والمغازى والسير وغيرها مما كان له أثر كبير في غذاء العقل والوجدان.
وقد سردت الدكتورة منى خضر الكثير من هذه القصص، متناولة هذا الفن من وجوهه المتعددة.
ولعبت الترجمة دورا مهما في بروز فن القصة متمثلا في ترجمة ابن المقفع لكليلة ودمنة.
وترى الكاتبة – ونحن معها- أن القصَّ فن قديم في الأدب العربى خلافا لمن قصرها على الغرب.
أما الأمثال فقد حظيت بدراسة وافية في الكتاب مصورة براعة العرب في تصويرهم للمواقف والأحداث من خلالها، كذلك الاستمتاع بالقصة التى تقف وراء إجراء المثل.
وتجدد الدكتورة منى خضر دعوتها إلى تتبع الظواهر النثرية في الأدب العربى لما فيها من تجدد وظواهر فنية وأسلوبية جديرة بدراستها للكشف عن جمالياتها. وبذلك ختمت كتابها الرائع الذى يعد مثالا للإتقان العلمى والتماسك المنهجى والإخلاص في تقديم العلم النافع الذى تستحق عليه التحية لجهدها الكبير المبذول فى هذا الكتاب القيم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى