
إسرائيل: صراع البقاء يمر عبر الجغرافيا والديموغرافيا
هل ينهار التوازن السكاني لصالح العرب؟
إسرائيل: صراع البقاء يمر عبر الجغرافيا والديموغرافيا.. هل ينهار التوازن السكاني لصالح العرب؟
بقلم / احمد عادل
في قلب الشرق الأوسط، حيث تتشابك الجغرافيا بالسياسة، تقف إسرائيل أمام تحدٍ وجودي لا يقل خطورة عن صراعاتها العسكرية: التحدي الديموغرافي. التركيبة السكانية الهشة والموقع الجغرافي المعقد لهذا الكيان يدفعان صناع القرار نحو سياسات حاسمة ومثيرة للجدل، هدفها الأوحد هو تأمين “يهودية الدولة”.
الموقع الاستراتيجي وتعددية الحدود
تحتل إسرائيل موقعاً فريداً، نقطة وصل بين القارات الثلاث (آسيا وأفريقيا وأوروبا)، مُطلة على الساحل الشرقي للبحر المتوسط. لكن هذا الموقع ينطوي على تعقيد آخر يتمثل في “المساحة المتغيرة”. فالمساحة الرسمية (حوالي 20,770 كم مربع) لا تشمل الأراضي المحتلة منذ عام 1967، مثل الضفة الغربية (5,858 كم مربع)، وقطاع غزة (364 كم مربع)، وهضبة الجولان (1,176 كم مربع). هذه التعددية في التعريف الجغرافي هي أساس الصراع المزمن حول الحدود.
”قنبلة” التركيبة السكانية: انقسامات اليهود وزيادة العرب
يكمن التهديد الداخلي الأكبر في التنوع الديموغرافي غير المتجانس. فاليهود، الذين يشكلون 75.4% من السكان، منقسمون عرقياً وطبقياً:
35.7% من أصول سفاردية وآسيوية.
30.5% من أصول أشكنازية (أوروبية/أمريكية)، وهي الطائفة التي لا تزال تتمتع بالنفوذ والامتيازات الطبقية.
13.7% من يهود “الفلاشا” الأفارقة.
في المقابل، يشكل العرب نسبة كبيرة ومؤثرة، وينقسمون إلى مسلمين (76% من العرب)، ومسيحيين (17%)، وبدو. هذا التوازن المائل يثير قلقاً عميقاً لدى النخبة الإسرائيلية من أن يختل الميزان الديموغرافي لصالح العرب على المدى الطويل، مما يقوض فكرة “دولة الأغلبية اليهودية”. ويضاف إلى ذلك الانقسام الطائفي الحاد بين اليهود أنفسهم (المتدينون مقابل العلمانيين).
استراتيجية الرد: بين “الجغرافيا الكبرى” و”الأمن الديموغرافي”
لمواجهة هذا “الخطر الديموغرافي”، تتصارع السياسات الإسرائيلية حول مسارين رئيسيين:
الطرح الجغرافي (اليمين المتطرف): يدعو إلى السيطرة الكاملة على جميع الأراضي الفلسطينية، وتشجيع الهجرة اليهودية المكثفة، وتبني سياسة “الترانسفير” (التهجير القسري للعرب) لتحقيق التفوق السكاني.
الطرح الديموغرافي (الخيار البراغماتي): ويُعطي الأولوية للحفاظ على الأغلبية اليهودية، حتى لو كان الثمن هو التخلي عن حلم “إسرائيل الكبرى”.
وقد أدى ارتفاع التكلفة الأمنية والمادية للطرح الجغرافي إلى تبني إسرائيل، منذ بداية الألفية، لسياسات قائمة على الفصل الأحادي، أبرزها:
تنفيذ خطة فك الارتباط أحادي الجانب عن قطاع غزة.
بناء جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية لترسيم حدود ديموغرافية قسرية.
مخطط الانطواء الثاني: عزل الفلسطينيين
تستهدف خطة “الانطواء الثاني” أو “الفصل الأحادي” عزل التجمعات الفلسطينية ذات الكثافة السكانية العالية بالضفة الغربية عن إسرائيل. ويتم ذلك عبر مسارين عمليين:
فرض الحدود: استكمال بناء الجدار الفاصل والتوسع الاستيطاني لفرض حدود جغرافية/ديموغرافية فاصلة، بالتوازي مع مخططات تهويد مدينة القدس.
طرح خيار “الدول الثلاث”: العودة المقترحة إلى حدود 1967 مع نقل مسؤولية غزة إلى مصر والضفة الغربية إلى الأردن، ضمن مخطط لتبادل الأراضي والتعامل المشترك مع قضيتي القدس واللاجئين.
تشتيت “عرب 48” ودعم الهجرة
على صعيد التعامل مع المواطنين العرب داخل حدودها (“عرب 48”)، تبنت إسرائيل استراتيجية متعددة الأوجه:
تعزيز الهجرة اليهودية: وضع استراتيجيات لاستقدام أكثر من مليون يهودي خلال العقد القادم ومكافحة “الهجرة العكسية”.
التفتيت الداخلي: محاولة نقل عرب القدس إلى شرق الجدار الفاصل.
الاحتواء الانتقائي: محاولة “احتواء” المسيحيين والدروز في النسيج اليهودي للدولة، مقابل “التعايش” مع التجمعات المسلمة الكبيرة.
إعادة التوزيع: تحريك السكان اليهود نحو مناطق مثل النقب لقطع التواصل الجغرافي العربي.
خاتمة: مجتمع غير متجانس في بحث دائم عن الأمن
إن المشاكل التي تنبع من التركيبة السكانية الإسرائيلية عميقة: عدم التجانس بين المهاجرين، والفروق الطبقية الواضحة لصالح الطائفة الغربية، وقلة عدد السكان في الشريحة العمرية المنتجة (18-45 عاماً)، والأهم من ذلك، وجود شريحة كبيرة من السكان العرب تمثل نقطة ضعف استراتيجية في أوقات الصراع.
وفي ظل هذا الواقع، تستمر إسرائيل في دعم الهجرة، ومكافحة الهجرة العكسية، وتكثيف السياسات “العنصرية” والتهجيرية ضد العرب، ومواصلة مخططات التوسع الاستيطاني، وكل ذلك في محاولة مضنية للحفاظ على الأغلبية اليهودية وإدارة أزمة داخلية مزمنة لا يبدو أنها في طريقها إلى الحل.