مقالات

في بيئة العمل : من يبني ، ومن يهدم ، ومن يجلس متفرجاً

في الشغل ناس وناس

بقلم  الكاتب الصحفي : أحمد صلاح

تتشكل بيئة العمل في أي مؤسسة من أنماط متعددة من السلوك الإنساني، تعكس ثقافة المنظمة ومستوى نضجها الإداري. ويمكن تصنيف العاملين – من منظور واقعي وتحليلي – إلى ثلاث فئات رئيسية: من يبني، ومن يهدم، ومن يتفرج.
هذا التصنيف لا يهدف إلى إصدار أحكام، بقدر ما يهدف إلى فهم ديناميكيات القوى البشرية داخل المؤسسات وكيف تؤثر على الأداء العام.

أولًا: فئة “البنّائين” – محرك النمو والتطور

يمثل البنّاؤون جوهر أي منظمة ناجحة.
هؤلاء يتميزون بروح المبادرة، والالتزام بالقيم المؤسسية، والقدرة على تحويل التحديات إلى فرص.
يتبنون أهداف المؤسسة كأنها أهداف شخصية، ويسعون لتحقيق نتائج ملموسة دون انتظار مقابل فوري.

من منظور إداري، هؤلاء الأفراد يمثلون رأس المال البشري الإيجابي الذي يجب الاستثمار فيه بالتدريب والتحفيز والتمكين، لأنهم مصدر الابتكار والاستقرار التنظيمي في آنٍ واحد.
وجودهم بكثرة مؤشر على أن المؤسسة تمتلك ثقافة صحية تعزز الانتماء وتكافئ الأداء.

ثانيًا: فئة “الهادمين” – المقاومة الداخلية للتغيير

يضم هذا الفريق أولئك الذين يقاومون التطوير، أو يسعون لتقويض الجهود الجماعية بسبب الإحباط أو المصالح الشخصية.
الهدم قد يكون سلوكًا مباشرًا (نقد سلبي، شائعات، تعطيل) أو غير مباشر (إهمال، سلبية متعمدة، انسحاب من المسؤولية).

تحليل هذه الفئة يتطلب إدراك أن أغلبهم ليسوا بالضرورة سيئي النية، بل ضحايا لضعف التواصل، أو غياب العدالة التنظيمية، أو سوء التقدير.
لذلك فإن الدور الإداري هنا لا يقتصر على العقاب، بل يشمل فهم أسباب السلوك الهدّام وإعادة توجيهه من خلال الحوار، العدالة، والمساءلة المتزنة.
لكن في المقابل، إذا تحوّل السلوك الهدّام إلى خطر دائم، فلا بد من تدخل حاسم لحماية بيئة العمل.

ثالثًا: فئة “المتفرجين” – الحياد الذي يضعف المؤسسة

المتفرجون هم من يمتلكون القدرة على الإسهام لكنهم يفضلون الصمت والمراقبة.
قد يكون دافعهم الخوف، أو ضعف الانتماء، أو عدم وجود حوافز كافية للمشاركة.
ورغم أن وجودهم قد يبدو آمنًا، إلا أن تأثيرهم السلبي طويل الأمد، لأن الحياد في بيئة العمل ليس حيادًا فعليًا، بل نوع من التواطؤ الصامت مع التراجع.

وهنا يأتي دور القيادة في تحريك هؤلاء نحو الفعل، عبر بناء بيئة تتيح المشاركة، وتُظهر أن الجهد مقدَّر ومؤثر.
كل فرد في المؤسسة يجب أن يدرك أن المشاهدة دون مشاركة تعني خسارة جماعية.

 إدارة التوازن بين الفئات الثلاث

نجاح المؤسسة لا يتحقق فقط بوجود الكفاءات، بل بقدرتها على إدارة التنوع السلوكي داخل بيئة العمل.
فالمطلوب من الإدارة الذكية أن:

1. تدعم البنّائين وتمنحهم الاعتراف والتقدير.

2. تعيد تأهيل الهادمين وتُخضعهم لبرامج تطوير أو مساءلة عادلة.

3. تحفّز المتفرجين على المشاركة عبر الشفافية والتمكين.

بهذا التوازن، تتحول بيئة العمل من ساحة صراع خفي إلى منظومة إنتاج متكاملة، يشارك فيها الجميع في البناء، كلٌّ من موقعه.

بقلم أحمد صلاح

كاتب صحفي

متخصص في شئون العمل والرعاية الصحية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى